اخيرا أعلن زعيم الثورة الكوبية الذي شغل العالم طوال تسعة وأربعين عاما، استقالته من منصبه كرئيس للدولة في كوبا وقائدا أعلى للقوات المسلحة.
لقد صمد كاسترو في وجه التاريخ، لكنه لم يكن ليستطع أن يصمد في وجه الزمن أكثر مما فعل.
صمد كاسترو خمسة وأربعين عاما أمام الولايات المتحدة وأمام الحصار الاقتصادي الذي فرضته على بلاده، واستمر نظامه حتى بعد أفول ثم سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية.
وتعرض لمحاولات كثيرة من الاغتيالات والقتل ومن التدخلات الامريكية وتحول الرجل إلى مثال امام بلدان وقيادات أخرى في أمريكا اللاتينية وغيرها. وربما يكون الرئيس الفزويلي أبرز مثال على اقتفاء أثر كاسترو في سياسة المواجهة والتحدي.
وذكرت عدة تقارير استخبارية وغيرها ان الولايات المتحدة حاكت اكثر من ستمائة مؤامرة لاغتيال كاسترو. الا انه ظل هناك بينما تعاقب على حكم الولايات المتحدة تسعة رؤساء.
ولد ثريا
ولد فيدل كاسترو عام 1926 لعائلة ثرية، بيد أنه تمرد منذ صغره على حالة الترف التي كان يعيشها بعد ما صدم بالتناقض الكبير بين رغد العيش في أحضان عائلته وبين قساوة العيش والفقر في مجتمعه.
حمل السلاح ضد الرئيس فالجنسيو باتستا عام 1953 على رأس اكثر من مائة من أتباعه. الا ان محاولته احبطت وسجن هو وشقيقه راؤول. وبعد عامين صدر عفو عن كاسترو الذي واصل حملته لإنهاء حكم باتستا من المنفى في المكسيك. وشكل قوة مقاتلة عرفت بحركة 26 يوليو.
وقد اجتذبت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا واسعا في كوبا. وتمكنت قواته في عام 1959 من الاطاحة بباتستا الذي أصبح نظامه يرمز الى الفساد والتعفن وعدم المساواة.
باتستا الذي أطاح كاسترو بنظامه وحول كوبا إلى جولة شيوعية عام 1958
تسلم كاسترو سدة الحكم وسرعان ما حول بلاده الى النظام الشيوعي لتصبح كوبا اول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.
لم تكد الولايات المتحدة تعترف بالحكومة الكوبية الجديدة حتى بدأت العلاقات بينها وبين كوبا تتدهور عندما قام كاسترو بتأميم الشركات الامريكية في كوبا.
وفي ابريل نيسان عام 1961 حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا. وتمكنت القوات الكوبية في خليج الخنازير من ردع المهاجمين وقتل العديد منهم واعتقال حوالي الف شخص
بعد ذلك بعام واحد بدأت ازمة الصواريخ السوفيتية الشهيرة التي كادت ان تجر العالم الى حرب.
العدو رقم 1
واصبح كاسترو العدو رقم واحد بالنسبة لامريكا. واستنادا الى مذكرات الزعيم السوفيتي آنذاك نيكيتا خروشوف فقد ارتأى الاتحاد السوفيتي أن ينشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية لردع اي محاولة امريكية لغزوها.
وفي اكتوبر تشرين اول عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس امريكية منصات الصواريخ السوفيتية مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر.
الا أن الازمة لم تطل كثيرا في أعقاب توصل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الى تسوية يزيل من خلالها الاتحاد السوفياتي صواريخه مقابل تعهد امريكي بعدم غزو كوبا والتخلص من الصواريخ الامريكية في تركيا.
تحالف كاسترو مع الزعيم السوفيتي خروشوف أربك الولايات المتحدة
وقد أصبح كاسترو أحد النجوم اللامعة في عصر الحرب الباردة. أرسل 15 ألف جندي إلى أنجولا عام 1975، لمساعدة القوات الأنجولية المدعومة من السوفيت. وفي عام 1977 أرسل قوات أخرى إلى اثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانجستو.
وقد ظل كاسترو يلقي باللوم في المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بلاده على الحظر الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على كوبا.
وقد اثر انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991 كثيرا على اوضاع كوبا خاصة الاقتصادية إلا أن بعض المحللين يرون أن كوبا تمكنت من التقليل من اثاره.
الحياة الخاصة
وكان كاسترو الذي يعرف بين أفراد شعبه باسم "فيدل" أو "القائد" قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمم عددا من الشركات الأمريكية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار.
إلا أن كوبا عانت من تسرب عدد كبير من الأفراد ورؤس الأموال إلى الخارج، وبدرجة اساسية إلى فلوريدا حيث تعيش هناك جالية كبيرة نسبيا من المناهضين لنظامه.
وقد أبقى كاسترو حياته الشخصية شأنا خاصا بشكل عام إلا أن بعض المعلومات عنها أصبحت متوفرة خلال السنوات الأخيرة.
منها أنه تزوج عام 1948 من ميرتا دياز- بالارت التي أنجبت له ابنه الأول فيديليتو. وقد انفصل الاثنان فيما بعد بالطلاق.
وفي عام 1952 التقى كاسترو بناتي ريفلتا، الزوجة السابقة لطبيب وأقامت معه وأنجتب له ابنة هي ألينا عام 1956.
وفي عام 1957 التقى بسيليا سانشيز اتي قيل إنها الرفيقة الأساسية لحياته وقد ظلت معه إلى أن توفيت عام 1980.
وفي الثمانينيات تزوج كاسترو من داليا سوتو ديل فال، التي أنجبت له 5 أبناء.